أعلام دولة اسرائيل (الكنج المدمر)

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


ايهود باراك الجندي رقم واحد

الكتاب بقلم الصحفيان الاسرائيليان، بن كسفيت و ايلان كفير، واعداد داني دور، وهو من اصدار غلاي الفا للاتصالات، ويقع في 383 ص، باللغة العبرية 1998 .

"ايهود باراك"، الكتاب الثالث والمشترك للصحفيين بن كسفيت وآيلان كفير اللذان يعتبران من صحفيي الدرجة الاولى في هذا المضمار، وقد حاز هذا الكتاب على انتشار واسع وانتقاد اوسع في نفس الوقت، فقد تم اصدار طبعته الرابعة بعد اسابيع معدودة فقط من ظهور الطبعة الاولى، ومن الواضح انه تم الإعداد له جيدا من اجل ترميم الصورة الجماهيرية لباراك، وخصوصا بعد الانتقادات التي تتعرض لها شخصيته ومواقفه المختلفة، ومن اجل تهيئته للمعركة القادمة كقائد عسكري وكقائد سياسي .
تشهد السنوات الاخيرة على وجود موضة جديدة لدى السياسيين الاسرائيليين من نشر المذكرات والسير الذاتية، قمتها كانت في الكتاب الاخير "ايهود باراك" السيرة الذاتية للجندي رقم واحد، ايهود باراك، رامبو الاسرائيليين. والغلاف الملفت للنظر والذي يظهر فيه مستعدا ببزته ورتبه العسكرية. قصة الجندي والطيار الذي حصل على اكبر عدد من الاوسمة في الجيش الاسرائيلي، خمسة اوسمة تقديرا لدوره في العمليات الخاصة، بعد ان خدم في الجيش 35 عاماً، قائد الوحدة الخاصة لهيئة الاركان في الجيش الاسرائيلي، ورئيس هيئة الاركان العامة، والذي قال عنه وريثه امنون ليفكين شاحاك عندما انهى مهماته في رئاسة هيئة الاركان العامة: "صاروخ مرعب وذكي ملتزم نحو الهدف والهدف قد تم تحديده : قيادة دولة اسرائيل .
ايهود باراك الشخص الذي خطط واشرف على عشرات النشاطات السرية، تخليص الرهائن من على متن الطائرة سابينه، خطف الضباط السوريين من لبنان، واغتيال القادة الفلسطينيين في بيروت وحتى اغتيال القائد الفلسطيني ابو جهاد في تونس، في فترة عمله كنائب لدان شمرون في رئاسة هيئة الاركان العامة، بمشاركة فريق مشترك بين الموساد، ووحدة هيئة الاركان وكوماندو البحرية .
في الفصل 16 وتحت عنوان في جبهة الانتفاضة يصف المؤلفان تفاصيل حادثة الاغتيال على لسان احد الصحفيين العاملين في الواشنطن بوست "غلان فرانكل" قوله : في مطلع ابريل طرح رئيس الحكومة اسحاق شامير امكانية اغتيال ابو جهاد، ثلاثة وزراء من حزب العمل اعترضوا على ذلك، وزير الخارجية شمعون بيرس، وزير التربية اسحاق نافون، والوزير بدون وزارة عيزر وايزمن ، في حين ايده وزير الدفاع اسحق رابين، "المعلم الاول لايهود باراك الذي تشجع جدا للعملية، "ووزير التجارة والصناعة حاييم بارليف، ووزراء آخرون" .
بعد ان انهى باراك خدمته العسكرية دعاه الرئيس السابق اسحق رابين من اجل الانضمام الى حكومته، الامر الذي فسره الجميع بان رابين قد حدد وريثه القادم الا انه لم يستطع تسليمه هذا الارث، الا انه وبعد انتخابات 1996 تم اختيار باراك رئيسا لحزب العمل ومرشحا لرئاسة الحكومة .
الكتاب يصف فترة الطفولة، الخدمة في الجيش، العمليات الخاصة، القرارات المصيرية، الاصدقاء والقادة الذين رافقوا باراك في مسيرته.
قصة حياة وسيرة ذاتية بقلم صحفيان مشهوران ايهود باراك الجندي، المثقف، عازف البيانو، الطيار، الحكيم .قائد الجيش الذي يقف اليوم امام المعركة المصيرية ، المعركة على قيادة دولة اسرائيل والتي سيضطر فيها باراك مواجهة بنيامين نتنياهو في الانتخابات القادمة على رئاسة حكومة اسرائيل، في حال صمد الاثنان كل في موقعه وبعيدا عن اي حادث درراماتيكي قد يقلب الموازين رأسا على عقب .
يعتبر الصحفي بن كسفيت من المقربين الى النخبة السياسية في اسرائيل فقد عمل مراسلا سابقا لصحيفة معاريف في نيويورك، وهو اليوم المراسل السياسي لنفس الصحيفة، ومقدم البرنامج الصباحي في التلفزيون "شبكة في الصباح" . في عام 1996 نشر الاثنان كتاب "انتحار" قصة حزب العمل منذ مقتل رابين وحتى فقدان السلطة في انتخابات 1996، وفي عام 1997 صدر كتاب آخر تحت عنوان "نتنياهو- الطريق الى القوة"، وهو السيرة الذاتية الاولى لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو . وقد بيع من هذه الكتب كميات كبيرة في اسرائيل، في عام 1997 شارك الاثنان في اعداد الالبوم "اسرائيل 50" الذي تحول ايضا الى احد الكتب الاكثر مبيعا في اسرائيل . اما الصحفي ايلان كفير فقد عمل مراسلا لصحيفتي معاريف وحداشوت وهو اليوم خبيرا في وسائل الاعلام .
يتم في الكتاب اظهار كل القضايا التي واجهها من دوره في حرب لبنان وموقفه خلال حادثة "تساليم ب"، منصبه كرئيس الاركان بشكل مريح له، فيه يحاول المؤلفان التركيز على الغزل مع الطوائف الشرقية من خلال اظهار الخلفية المتدينة لعائلته والتركيز على ان ايهود باراك- من سلالة عائلة متدينة" حريديم" من اوروبا الشرقية، الذين حضروا الى اسرائيل قبل الحرب العالمية الثانية .
الامر المثير في هذا الموضوع هو الفرق بين هذه الطبعات، فمثلا عند الحديث عن الفرق بين الطبعة الاولى والثانية حول موضوع المحادثة التلفونية مباشرة بعد الكارثة التي نتجت عن التدريبات في "معسكر تساليم" في منطقة الجنوب عام 1992 والتي أجراها رئيس الاركان آنذاك ايهود باراك مع رئيس الحكومة السابق اسحق رابين، فهناك فرق واضح في عرض الامور كما يتضح عند مراجعة الطبعات الاولى والثانية من الكتاب، فقد تم شطب بعض الكلمات التي لم ترق لمستشاري وخبراء باراك في كتابة السير الذاتية وكيفية استغلالها من اجل المعركة القادمة والتي يبني عليها باراك ومستشاريه آمالا كبيرة .
في الفصل الذي يتحدث عن قضية "تساليم ب" من الطبعة الاولى، يظهر النص المقتبس للمحادثة بين باراك ورابين كما يلي: "حدثت كارثة، قال باراك، "الامر الذي يفرض الابتعاد عن الاهداف" . يوجد لنا خمسة قتلى وجرحى في التدريبات التي تجريها الوحدة، سوف اقلع بعد قليل الى تل ابيب وسوف احضر اليك فورا" . اما النص المقتبش في الطبعة الثانية فقد تغير وتحول الى: " حدثت كارثة، قال باراك، يوجد لدينا خمسة قتلى وجرحى في تدريبات الوحدة، سوف اقلع بعد قليل الى تل ابيب وسوف احضر اليك فورا" . الفرق بين هذين النصين هو في شطب عبارة " الامر الذي يفرض الابتعاد عن الاهداف " .
بعض الاقوال تشير الى ان هذه التدريبات تمت من اجل التحضير الى العملية واسعة النطاق لهدف في دولة عربية "العراق مثلا"، الا ان باراك وكما يتضح لم يرغب بأن يظهر بهذه الصورة وكأنه مهتم فقط بالاهداف التي تم الغاءها او تجميد تنفيذها .
تحتل قضية العلاقات بين باراك وشمعون بيرس مكانا كبيرا في استراتيجية وتكتيك ايهود باراك وكما يظهر فان هذه العلاقات تتصف بالتعقيدات الكبيرة منذ اعتراض باراك على منح بيرس منصب الرئيس الفخري لحزب العمل، ففي نهاية الكتاب هناك وصف لمحادثة بين باراك وبيرس بوقت قصير قبل انتخابه رئيسا للحركة، وفيها يطلب بيرس من باراك منحه فترة نصف عام من اجل العمل على اقامة حكومة وحدة وطنية، الا ان باراك رفض ذلك، فقد تم عرض هذه المحادثة في الطبعة الاولى كالتالي: "باراك وبيرس تقابلا من اجل التنسيق في الامور الاجرائية . المحادثة التي جرت بينهم معروفة اليوم باسم "المحادثة القاسية"، وهي المحادثة التي جرحت شمعون بيرس وتركته مصابا وكما يتضح دائما ويرغب في الانتقام". اما في الطبعة الثانية فقد تم ترميم هذه الصيغة بحيث أصبحت: "باراك وبيرس تقابلوا من اجل التنسيق في الامور الاجرائية . المحادثة التي جرت بينهما معروفة اليوم باسم "المحادثة القاسية" . اما بالنسبة للجملة الاخيرة من الفقرة السابقة فقد تم شطبها نهائيا وكأنها لم تكن ؟
اما طبيعة علاقات باراك مع سكرتير حزب العمل رعنان كوهين والتي ارتبطت بسباق الطبعات، ففي الطبعة الاولى تظهر الجملة: " في قمة الازمة كان يستطيع حتى سكرتير عام لحزب العمل مثل رعنان كوهين ان يدعو الى تحدي قيادة باراك والعودة الى بيته بسلام". فقد تم اضافة كلمتان الى هذه الفقرة "مؤقتا على الاقل" .
المليونير الفرنسي جان فريدمان الذي يعتبر من الممولين الكبار لحزب العمل، في الطبعة الاولى لا يحظى تقريباً بأي ذكر، وكما يتضح فقد كان هناك من اظهر قلقه بالنسبة لهذا الموضوع، واضاف الى الطبعات اللاحقة فقرة تعرض جان فريدمان وكأنه " المحذر على الباب". " اما ثعالب الانتخابات حاييم رامون وموشيه تاوميم، فقد استمروا في استراتيجية التنويم ... الاول الذي تخوف من سقوط وفشل ممكن كان المليونير الفرنسي " جان فريدمان" الصديق الشخصي لشمعون بيرس، والذي يوزع وقته بين اسرائيل، فرنسا وكندا . الاستطلاعات التي وصلت الى بيرس وحاييم رامون لم تنجح في خلخلة رؤساء جهاز الانتخابات " .
في الطبعة الاولى عرض باراك نتائج الاستطلاعات التي اجراها خبراء امريكيون في معركة الانتخابات امام شمعون بيرس، وكما يتضح فان باراك ومقربيه قد تخوفوا من توجيه الاتهامات اليهم بانهم اخفوا معلومات، لذلك في الطبعات المنقحة تم اظهار ان موشيه تاميم وحاييم رامون وكأنهم علموا بنتائج هذه الاستطلاعات .
باراك لم يكتف بتوجيه اللدغات هنا وهناك فقط الى رامون، الذي يظهر الاخلاص لباراك بالقوة، فضمن الحديث عن محاولات جان فريدمان من اجل تجنيد جاك سغله، احد الخبراء الكبار للانتخابات في اوروبا، يتم التركيز على موضوع رفضها من قبل حاييم رامون وفي الطبعة الثانية تظهر فقرة: "بان رامون استمر بالتمسك بان استراتجيته هي الصحيحة".
سلم الافضليات الشخصية لباراك يتغير من طبعة الى اخرى، ففي الطبعة الاولى يظهر ايهود باراك كوزير للداخلية الذي يحب تمضية وقته لدى ايتان هابر رئيس مكتب اسحق رابين، اما في الطبعة المدققة فيتم تحويل هذا المكان المفضل لباراك الى غرفة السكرتير العسكري داني ياتوم .
الانتقادات التي تم توجيهها الى باراك تختفي من طبعة الى اخرى ففي الفصل الاخير من الكتاب هناك وصف للقاء بين باراك وكلينتون في البيت الابيض والذي دعا باراك اليه صهره المحامي دورون كوهن . في الطبعة الاولى هناك فقرة " في حزب العمل تم توجيه نقد قاسي لهذا اللقاء " في الطبعة الثانية تمت اضافة المبررات " المحتجين لم يعرفوا بان هذا اللقاء لم يتم بناء على تخطيط مسبق وانما تم بدعوة من البيت الابيض قبل ساعات قليلة من قيامها وبدون تحضير .
في الطبعة الاولى هناك فقرة اخرى مباشرة بعد وصف الظهور التلفزيوني لباراك : " لا يوجد اكثر من هذا الوضع لوصف الحالة التي وصل اليها باراك خلال اقل من عام في رئاسة حزب العمل، من كان الامل الكبير علق على الطريق".
في الطبعة الثانية تتحول هذه الفقرة الى : " لا يوجد اكثر من هذا الوضع لوصف قلة تجربته في التعامل مع وسائل الاعلام التي يقودها التلفزيون، خلال اقل من عام في رئاسة حزب العمل ظهر امام نقادة مثل من كان الامل" . مثل آخر ففي الطبعة الاولى لم يتم ذكر ان باراك شارك في مؤتمر شرم الشيخ، الا انهم تذكروا اهمية هذا المؤتمر وتمت اضافة فقرة مشاركته في هذا المؤتمر. اما قصة مارك سوفر التي ظهرت فقط في الطبعة الاولى والذي عمل في مكتب بيرس في وزارة الخارجية وباراك لم يجد له مكان في مكتبه، ففي الطبعة الثانية هذه القصة كلها تختفي.
السؤال المطروح من هو الذي يقف خلف كل هذه التغييرات والترميمات ؟ هل هو باراك الذي وعلى لسان ايلان كفير احد المؤلفين لسيرته لم يتدخل ولم يطلب اجراء اي تغييرات في الكتاب، ام مكتب باراك الذي افاد بأنه ليس لديه اي علم عن اي تغييرات حصلت داخل الكتاب ، وقد برر ايلان كفير التغييرات التي حصلت بالنسبة للفصل الذي يتحدث عن كارثة تساليم بأنها تغييرات تتعلق بالتفاصيل التي وافقت الرقابة العسكرية على نشرها في الطبعات اللاحقة بعد ان كانت قد شطبتها من الطبعة الاولى ؟ . اما الفقرات الاخرى التي تم تغييرها فهي تندرج ضمن اطار " الاضافات والتجديدات" على اثر الانتقادات التي وجهت من القراء والتفاصيل الجديدة .
هذا الشطب الفوري والسريع للعديد من الفقرات والاحداث من الطبعة الثانية والطبعات اللاحقة، يؤكد بان هذه السيرة الذاتية تم اعدادها سلفا من اجل صياغة واعادة كتابة سيرة ذاتية ملائمة اكثر للواقع ولطبيعة الاهداف المرجوة من خلفها ، عملية تبييض وبراءه من كل الاخطاء التي ارتكبها باراك اثناء خدمته العسكرية والسياسية" من معركة السلطان يعقوب" قضية تساليم ب "، حتى التقديرات الاخيرة لمجمل نشاطاته السياسية مع نهاية العام الاول في قيادة حزب العمل فهي تشهد على حدة الفشل والازمة التي يعيشها، من تصريحاته ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مستوطنة بيت ايل، وحتى كلمته المشهورة: " لو انني ولدت لعائلة فلسطينية فأنا بالتأكيد سأنضم الى تنظيم ارهابي" . هذا التذبذب بين اليمين واليسار لم يساهم ولن يساهم في تثبيت مكانة باراك منافسا قويا امام نتنياهو ، حتى لو تم عرضه وكأنه صاحب فكر ورؤيا سياسية قومية بمضمون امني بطولي، وماذا سيشهد لهذا الجندي رقم واحد سوى الجرائم والدموية في نشاطاته امام اليمين الصهيوني .
ولن يستفيد كثيرا من هذا العرض على مدى 27 فصلاً لصحفيا السيرة الذاتية لايهود باراك ابتداءا من التعريف الظاهر بانه الجندي رقم واحد في اسرائيل ومرورا بالتركيز على العمليات الخاصة التي اشرف عليها وشارك في قسم كبير منها ضد الشعب الفلسطيني وضد قيادته، من عمليات خطف واغتيالات دموية، وانتهاءا بالشعار الذي يتبنونه " قائد الجيش الذي خلع بزته العسكرية وتجند في معركة السلام" ؟؟ . فهل من الممكن اعتبار ان ما حققه باراك لدولة اسرائيل يستحق عرض هذه السيرة الذاتية .



والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته